23/07/2022 - 21:31

حوار مع د. شريف كناعنة | من توثيق النكبة إلى "قول يا طير"

لقد أشرت في مقدمة الطبعة الجديدة إلى أن هذه المجموعة من الكتب هي الوحيدة من نوعها في تاريخ القضية الفلسطينية، ولو قيض للمشروع أن يستكمل بحيث يشمل الـ530 قرية مهجرة لكان لدينا موسوعة ضخمة تقدم لنا التاريخ الاجتماعي الاقتصادي والسياسي

حوار مع د. شريف كناعنة | من توثيق النكبة إلى

د. شريف كناعنة (تصوير: جامعة بيرزيت)

صدرت مؤخرا طبعة جديدة من سلسلة "القرى والبلدات الفلسطينية المدمرة" للدكتور شريف كناعنة وآخرين، وهي تشمل ثلاثة أجزاء ودراسة وافية عن 13 قرية تمتد من كفر برعم في أقصى شمال فلسطين إلى قرية كوخبة في أقصى جنوبها.

وكان مركز الوثائق والأبحاث في جامعة بيرزيت قد باشر بهذا المشروع في ثمانينيات القرن الماضي، وصدر عنه 13 كتيبا جرت طباعتها على الآلة الكاتبة وتصويرها وطباعتها وتوزيعها بشكل محدود.

وهذه العينة هي ما أنجز من مشروع طموح كان يهدف لتوثيق كامل القرى الفلسطينية المدمرة، كما ورد في التمهيد الذي كتبه مدير المركز، د. شريف كناعنة، حيث أفاد أن هذه الدراسة هي حلقة واحدة من مشروع ضخم يسعى إلى توثيق ما يقارب الأربعمائة من المدن والقرى والتجمعات السكانية الفلسطينية التي كانت قائمة قبل عام النكبة 1948، وما يظهر في كل دراسة عن كل قرية هو جزء منتخب وصغير من مقدار ضخم من المادة التي نكون قد جمعناها عن تلك القرية ونحتفظ بها في أرشيف "مركز الوثائق والأبحاث في جامعة بيرزيت" لاستعمالها في دراسات وأبحاث قادمة في إطار هذا المشروع.

وقد استدرك القائمون على المشروع في التمهيد بالقول "نحن نعرف أن هذا مشروع ضخم وقد يتألب عليه عدد من الأسباب والظروف تحول دون انجاز قسم كبير منه لهذا السبب اخترنا أن نبدأ بعدد من القرى من نواح مختلفة من البلاد، كي يكون ما تتمكن من إنجازه مهما قل ممثلا لأوسع قطاع ممكن من المجتمع الفلسطيني في الأربعينيات من هذا القرن.

وكان د. شريف كناعنة قد عالج قضية النكبة في كتابه المعروف "الشتات الفلسطيني هجرة أم تهجير"، قبل أن يغوص في أعماق التراث الشعبي الفلسطيني ليستخرج ويعيد سبك درره المتمثلة بالأمثال والحكايات الشعبية الفلسطينية ويقدمها للأجيال الشابة بقالب جديد حيث صدرت له مؤخرا موسوعة "الحكايات الخرافية" ومجلد "حكايات العالم".

لإلقاء الضوء على هذه "السلسلة" وسائر الانتاجات كان هذا الحوار مع بروفيسور شريف كناعنة.

"عرب 48": إصدار الطبعة الجديدة من سلسلة "القرى والبلدات الفلسطينية المدمرة" هي مناسبة فقط، لإجراء هذا اللقاء والحوار مع واحد من الباحثين الذين أغنوا المكتبة الفلسطينية بعشرات الكتب والأبحاث التي لامست عصب قضايانا السياسية والاجتماعية، ولذلك سنبادر بالسؤال عن الطبعة الجديدة من السلسلة؟

كناعنة: مشروع توثيق القرى المهجرة كان هاجسي وعندما أصبحت مديرا لمركز الأبحاث في جامعة بيرزيت حاولت جلب دعم لإنجاز هذا المشروع، وفي أعوام 80 - 82 قررنا أن نقوم بإعداد "مونوغراف" كتيب صغير عن كل قرية من القرى المدمرة، في تلك الفترة كانوا يتحدثون عن 280 قرية في حين يجري الحديث اليوم عن 530 قرية ومدينة.

عندما بدأت بالمشروع كان لدي 7- 8 مساعدي بحث واكتشفت أنه من الصعب إعداد كتيب عن كل قرية من مئات القرى المدمرة، ففكرت بإعداد مجلد كبير يضم كافة القرى، وتوجهت بهذا العرض إلى وليد الخالدي الذي كان مؤسس مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وكما هو معتاد بين العرب فإنهم يذهبون إلى الرأس فقد اتصل الخالدي برئيس الجامعة بالوكالة، في حينه جابي يرامكة، (لأن رئيس الجامعة حنا ناصر كان مبعدا) وجرى الاتفاق على أن نقوم في مركز أبحاث جامعة بيرزيت بجمع المادة بشكل مبدأي لقاء تمويل متواضع، على أن يعدّها ويحررها هو في مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومن هنا ولد كتاب "كي لا ننسى"، حيث جرى التحرير والإعداد في واشنطن وصدر الكتاب بطبعته الإنجليزية أولا تحت عنوان "كل ما تبقى" وترجم فيما بعد إلى العربية بعنوان "كي لا ننسى"، وقد ورد على غلاف النسخة الإنجليزية اسم وليد الخالدي كمحرر فيما أدرج اسمي داخل الكتاب ضمن مساعدي البحث، في حين ظهر على غلاف النسخة العربية اسم وليد الخالدي.

"عرب 48": بعدها استمريتم في المشروع وأصدرتم كتيبات عن العديد من القرى المدمرة؟

كناعنة: نعم، حتى إنهاء عملي في مركز الأبحاث بلغ عدد القرى التي تناولناها 17-18 قرية، وصلت في عهد الدكتور صالح عبد الجواد الذي تولى إدارة المركز من بعدي إلى 23 - 24 قرية، وقد عالجت هذه "المونوغرافات" بتوسع، تاريخ القرية المعنية وجغرافيتها وتراثها الشعبي وشخصياتها وعائلاتها وكيفية احتلالها وتهجير أهلها والمناطق التي نزحوا إليها ومن ثم تدميرها.

وقد هدف هذا التأريخ، كما تمت الإشارة إليه في مقدمة هذه الكتيبات، إلى جعل سلالة الناس الذين هجروا من تلك القرى يعيشون تاريخ هذه القرى وحياتها، وقد اعتمدنا في ذلك على جمع سير ذاتية لما يقارب 15 شخصا من كل قرية من خلال إجراء مقابلات شخصية مسجلة معهم، ثم قمنا بتبويبها وربطها ببعضها بصورة تحفظ للأجيال القادمة صورة حية ومباشرة عن أسلوب الحياة في القرى الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين، وما حدث لتلك القرى وأهلها أثناء نكبة 48 وما بعدها حتى ثمانينيات القرن الماضي.

"عرب 48": الجزء الذي بين يدي (الجزء الثاني) يحتوي على 350 صفحة من القطع الكبير ويضم خمس قرى هي؛ دير ياسين، عنابة، اللجون، الفالوجة والكوخبة، أي أنه يفرد 70 - 80 صفحة لكل قرية إلى جانب الخرائط والصور والوثائق وهذا يعني أنه يقدم توثيقا وافيا لهذه القرى؟

كناعنة: لقد أشرت في مقدمة الطبعة الجديدة إلى أن هذه المجموعة من الكتب هي الوحيدة من نوعها في تاريخ القضية الفلسطينية، ولو قيض للمشروع أن يستكمل بحيث يشمل الـ530 قرية مهجرة لكان لدينا موسوعة ضخمة تقدم لنا التاريخ الاجتماعي الاقتصادي والسياسي لفلسطين عشية النكبة وغداتها.

لكننا كنا ندرك منذ البداية أننا أمام مشروع ضخم قد لا يقيض لنا إنجازه، لذلك اخترنا عينة تمثيلية لقرى فلسطين تعكس الجغرافية والديمغرافية والتاريخ السياسي وتصور النكبة التي حلت بشعبها عام 1948.

"عرب 48": لا شك أنكم جمعتم "أرشيف ضخم" من المقابلات والتسجيلات والصور والوثائق التي تصلح لاستعمال البحث والتوثيق، هل تمت المحافظة على هذا الأرشيف؟

كناعنة: المواد بقيت في مركز الأبحاث التابع لجامعة بيرزيت وتم نقلها حين إغلاقه، وقد حاولت العثور عليها ولم استطع ولكن ما زالت لدي النية للعثور عليها.

"عرب 48": ضاعت كالعادة؟

كناعنة: لقد جاءت الانتفاضة الأولى وأغلقت الجامعة وبعدها جرى إغلاق مركز الأبحاث.

"عرب 48": حاليا لا يوجد مركز أبحاث في جامعة بيرزيت، وهذا سؤال آخر، والسؤال الأول هو متى أُغلِق؟

كناعنة: المركز اغلق في أواخر الانتفاضة الثانية، أنا اشتغلت في المركز منذ عام 1982 وحتى عام 1987 عندما أغلقوا الجامعة وعندما أعيد فتحها لم أرجع إلى المركز، بل عدت للتدريس وتولى الدكتور صالح عبد الجواد إدارة المركز وبعدها بسنوات أغلق أبوابه.

"عرب 48": وما هي الأسباب؟

كناعنة: أعتقد أن السبب هو قلة الاهتمام وقلة التمويل، ومنذ البداية لم يحظ المركز بميزانيات محترمة، ويدل على ذلك أن الكتيبات التي أصدرناها في مشروع القرى المدمرة كانت تطبع على الآلة الكاتبة ويجري تكريرها، فيما قمنا بطباعة غلاف مع "فتحة" ليتسنى إظهار اسم الكتيب المتبدل وعدم الاضطرار لطباعة غلاف خاص بكل كتيب.

"عرب 48": في السياق أذكر كتاب لك بعنوان "الشتات الفلسطيني - هجرة أم تهجير"؟

كناعنة: صحيح، هذا جاء بعد أن تركت مركز الأبحاث وقد كتبته باللغتين العربية والإنجليزية وأصدرته محليا، ولكن الحمدلله صدر لي عدد كبير من الكتب يصل إلى 30- 40 كتابا معظمها في التراث الشعبي.

"عرب 48": لقد انتقلت إلى التخصص في التراث الشعبي وأبدعت في هذا المجال؟

كناعنة: عملنا ما أعاننا الله على عمله وأنا سعيد جدا اني أصدرت مؤخرا موسوعة "الحكايات الخرافية" التي تتألف من خمسة مجلدات، إضافة إلى كتاب "حكايات العالم" الذي قسمت فيه العالم إلى مناطق ثقافية وعرضت من كل منطقة بعض الحكايات التراثية.

"عرب 48": اهتمامك بالتراث الفلسطيني جعلك تطل على التراث العالمي؟

كناعنة: أنا درست في جامعة هاواي في أميركا وحقل دراستي هو علم الإنسان – الإنتروبولوجيا الذي يهتم بكل ثقافات العالم وتاريخ الإنسان منذ تكوينه، كما أن التراث الفلسطيني غير منقطع عن التراث الإنساني والعالمي.

"عرب 48": كنت من الرواد في الأكاديميا، في أي سنة بدأت التدريس في جامعة بيرزيت؟

كناعنة: جئت إلى بيرزيت عام 1975 كأستاذ ضيف من جامعة ويسكنسون الأميركية لمدة سنة ومددت لسنة إضافية، وبعد أن تركت جامعة ويسكنسون وقررت البقاء هنا أسسنا نقابة عاملين وتوليت رئاستها وبعد شهر من قطع علاقتي بالجامعة الأميركية، جرى إلغاء عقدي في بيرزيت على خلفية نشاطي "النقابي" فانتقلت إلى جامعة النجاح في نابلس كعميد لكلية الآداب وفي تلك الفترة أبعدت سلطات الاحتلال رئيس الجامعة فتوليت رئاسة الجامعة لثلاث أو أربع سنوات وعندما أتعبني المنصب عدت إلى بيرزيت.

"عرب 48": كانوا قد رفعوا عنك الحظر؟

كناعنة: الصحيح أن صديقي المرحوم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي كان قد أصبح في ذاك الوقت نائبا لرئيس الجامعة وبواسطته عدت لبيرزيت، وعند عودتي توليت رئاسة مركز الأبحاث مدة 4 - 5 سنوات وبعدها رجعت إلى التدريس.

"عرب 48": هل صدر لك عن التراث كتبا باللغة الإنجليزية؟

كناعنة: هناك كتاب صدر باللغة الإنجليزية وترجم إلى العربية وأثار بعض الضجة وحظي بكثير من الشهرة في العالم العربي، وهو بعنوان "من حكاية قول يا طير"، وكنت قد كتبته مع زميل لي باللغة الإنجليزية وصدر عن جامعة بيركلي في كاليفورنيا، وقد ترجم بعدها وصدر باللغة العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

الكتاب أثار ضجة عندما طلبت حركة حماس عقب نجاحها في الانتخابات وتشكيلها للوزارة، بإخراجه من المنهاج الدراسي وإحراقه بدعوى أنه يحوي بعض الكلمات النابية، والحقيقة أن تراثنا يزخر بمثل تلك التعابير التي لا يمكن لأي باحث في التراث تجاهلها وإسقاطها، والكتاب ما زال يدرّس بنسخته الإنجليزية على مستوى الماجستير والدكتوراة في تعليم التراث الشعبي.


د. شريف كناعنه، مواليد عرّابة البطّوف سنة 1935، درس الابتدائية في مدرسة عرّابة البطوف والثانويّة في المدرسة الحكومية في الناصرة، عَمِل مدرّسًا في عدد من المدارس الابتدائية في قرى الجليل لمدّة ست سنوات بعد الثانويّة مباشرة، ثم سافر للدراسة في أميركا، حصل على البكالوريوس في علم النفس والاجتماع من "yankton college" في مدينة يتنكرون في ولاية "South Dakota" في الولايات المتحدة، ثمّ الماجستير والدكتوراه في الإنثروبولوجيا (علم الإنسان) وعلم النفس من جامعة هاواي "Hawaii" في هونولولو "Honolulu"، عمل في التدريس الجامعي في جامعة ويسكونسن "Wisconsin" لمدة ثلاث سنوات.

عاد إلى البلاد سنة 1975 ليعمل في جامعتي بيرزيت والنجاح حتى التقاعد سنة 2012، حيث شغل فيهما عدّة مناصب أكاديمية وإداريّة منها رئيس دائرة وعميد لكلية الآداب ونائب رئيس ثم رئيس في جامعة النجاح، ساهم في إقامة أول نقابة أساتذة جامعات فلسطينية في جامعة بيرزيت وترأّسها لفترة أول دورتين من وجودها.

أجرى العديد من الأبحاث والدراسات حول القضيّة الفلسطينيّة والنكبة وشؤون اللاجئين الفلسطينيين، ثم اختصّ بدراسة التراث والهوية الفلسطينية ونشر أكثر من أربعين كتابا باللغتين العربية والإنجليزية وحوالي ثمانين دراسة قصيرة في دوريّات أكاديميّة عربية وإنجليزية وكان آخر ما نشر في الأشهر الأخيرة بالتعاون مع الزميل الأستاذ نبيل علقم "موسوعة الحكايات الخرافية الفلسطينيّة" في خمس مجلّدات ومجلّد ضخم بعنوان "حكايات العالم" وهما الآن في المراحل الأخيرة من تأليف كتاب "مدخل مُيسّر إلى التراث الشعبي الفلسطيني".

التعليقات